الخصوصية كوسيلة للتربح

الخصوصية كوسيلة للتربح

عدن – ابرار فهيد

“عانيت كثيراً و دخلت في اكتئاب وحالة نفسية صعبة، كنت شديدة التناول للعقاقير المهدئة بسبب ما عشته ،كانت فترة متعبة ”

هكذا كان حال الضحية (ج.ن) البالغة من العمر 18 عامًا، والتي تقطن احدى المحافظات الواقعة شمال البلد .

(ج.ن) واحدة من بين مئات وربما آلاف النساء اليمنيات اللواتي تعرضن للعنف الرقمي عبر الإنترنت.

نقصد بهذا النوع من العنف ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي باستخدام الشبكة العنكبوتية كوسيلة لممارسته سواء بالتهديد أو الابتزاز و الضغط بغية تحقيق أهداف على حساب الضحية أو حتى لمجرد الانتقام، ناهيك عن أن هذا النوع من العنف قد يمارس ضد ضحايا غير معروفين من قبل الجاني، وعلى غرار أنواع العنف الجندري الأخرى يكون التأثير السلبي أكثر عمقا من الناحية النفسية و هنا تكمن الخطورة.

تقول(ج.ن)”كنت على علاقة بشاب و كان كثير الطلب لصوري “دون حجاب” و كأي فتاة أحبت و وثقت بمن تحب كنت أنصاع لطلبه، بعد ذلك مر وقت طويل دون تواصل وانقطعت علاقتنا هكذا دون أسباب واضحة . لكن الصدمة حدثت عندما تم إعلان ارتباطي بشكل رسمي بأحدهم بعد قرابة أربع سنوات ، حيث تلقيت رسالة صادمة من الاول عبر تطبيق الواتساب تحوي تهديد بأنه مازال يحتفظ بصوري وإني ان لم أفك ارتباطي بذاك الشاب سيقوم بنشرها!”.

وأردفت: “لم أرد عليه حينها بالرغم من شعوري بالخوف إلا أني وفي كل مرة كان يهددني فيها كنت أقابل ذلك بتصنعي اللامبالاة رغم أني كنت متخوفة جداً.
وتضيف: “أثر الأمر علي بشكل كبير ، ودخلت في موجة اكتئاب حاد لم أستطع التعافي منها بسهولة ،رغم ذلك لم أرضخ للابتزاز، وظللت لا أبالي بتهديداته حتى ملّ و لم يعد يرسل شيئاً منذ فترة طويلة”.

لم تكن (ج-ن) هي الضحية الوحيدة التي أرادت أن تشاركنا تجربتها ، بل هناك عشرات الفتيات والنساء اللاتي تعرضن للعنف الرقمي بشتى أنواعه، وتعددت ردود فعل الضحايا كما تعددت أيضاً أساليب المجرمين في محاولات الإيقاع بهن .

فيظل التطور التكنولوجي الرقمي الذي نشهده ومع اتساع دائرة البرامج والتطبيقات ساهم ذلك في تنامي هذه الظاهرة خاصةً في إطار مجتمع محافظ كمجتمعنا، و تعد هذه الجريمة من أكثر الجنايات تعقيداً بسبب غياب قانون رادع لمثل هذا النوع من الجرائم ما ساهم في تزايد عدد المجرمين وتعدد أساليبهم .

“كانت النيابة العامة والمحاكم لا تأخذ بمثل هذه القضايا، خاصة منها التي تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي كالواتس والفيس بوك وغيرها، لكن في الفترة الأخيرة بدأ هناك تجاوب ملحوظ من قبل النيابة العامة بشأن قبول شكاوى تهديدات وابتزاز وإساءة وتشهير ، وتقوم النيابة في هذه الحالة بفتح قضية إن توافرت الشروط “بحسب ما أورد المحامي هشام عثمان.

يوضح عثمان بالقول “جرم القانون اليمني الابتزاز والتهديد بشكل عام كما ورد في نص المادة ( 313 ) من قانون الجرائم والعقوبات: يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات أو بالغرامة كل من يبعث قصدا في نفس شخص الخوف من الإضرار به أو بأي شخص آخر يهمه أمره ويحمله بذلك و بسوء قصد على أن يسلمه أو يسلم أي شخص آخر أي مال أو سند قانوني أو أي شئ يوقع عليه بإمضاء او ختم يمكن تحويله الى سند قانوني .

وأضاف: ” بحسب المــادة (254) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني : يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة كل من هدد غيره بأي وسيلة بارتكاب جريمة أو بعمل ضار أو بعمل يقع عليه أو على زوجه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة إذا كان من شأن التهديد أن يحدث فزعا لدى من وقع عليه .”

إذًا فالقانون اليمني للجرائم و العقوبات يجرم الابتزاز و التهديد بشكلٍ عام لكنه لم يتطرق لجرائم الإنترنت بشكلٍ خاص .

انتشار جرائم العنف الرقمي مؤخراً بغرض الابتزاز يعد بحسب خبيرة النوع الاجتماعي الأستاذة مها عوض، شكل من أشكال التطاول على الأعراض في شكل جرائم إلكترونية حد تعبيرها .

وتعتبرالأستاذة مها عوض العنف الجندري الرقمي “أسلوب مبتذل جداً، إذ أنالمشكلة الأساسية في نظرها تكمن في تخوف النساء والفتيات من الحديث عما تعرضن له، مضيفةً : يجب على المتضررات الحديث عما تعرضن له، وعدم السكوت في مثل هكذا جرائم، وكشف واقع هذا النوع من العنف ضد النساء و الفتيات” .

وتضيف عون “مثل هذا النوع من العنف الجندري الرقمي كثيرا ما تتعرض له ناشطات وما يؤسف له أنه إلى الآن لم يتم بشكل فعلي اتخاذ إجراءات و اتباع نظام أو شكل من أشكال الأنشطة والحملات للتصدي لمثل هذا النوع من العنف ضد المرأة “.

تجدر الإشارة هنا إلى تعدد أشكال و طرق العنف الجندري الرقمي مؤخرًا ، ففي بعض الحالات يتم إرسال روابط مخصصة لاختراق الحسابات الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، أو استعادة محتويات الهاتف بعد بيعه، أو حتى من خلال إسهام الضحايا أنفسهم في الإضرار بأنفسهم دون دراية منهم إلى أي مدى قد يتوسع تأثير هذا النوع من العنف.

“رغم شغفي الكبير بالدراسة إلا أني فقدت هذا كله بعد ما علم أخي بالأمر ”

تقول(ك.ن)ذات ال23 عاما التي تقطن محافظة جنوبية”بعد علاقة إلكترونية مع أحدهم دامت سنة ، في هذه الفترة وثقت به وبعثت له صوري ، مرت الأيام و على الرغم من أن علاقتنا كانت في حدود التواصل عن بعد فقط بدأ يطلب مني الخروج معه و عندما رفضت بدا لي كشخص آخر تماما و هددني بصوري إن لم أنصاع لرغبته ! في البداية شعرت بالخوف و رضخت لكني توقفت عن ذلك و قررت أن أبتعد وأختفي تمامًا دون أن أخبره” .

وأضافت : “قطعت كل السبل إلي ، وبعد فترة بسيطة كنت في غرفتي لأتفاجأ بأخي يدخل ناحيتي بوجه غاضب . ومن خلال الكلمات التي قالها لي عرفت حينها أن ذلك الشخص قد نفذ تهديده، حيث قال أن صوري وصلته من رجل يدعي أنه كان على علاقة معي ! فتعرضت للتعنيف الجسدي واللفظي وحرمت من دراستي الجامعية تمامًا ، وظللت حبيسة غرفتي لفترة دامت 4 أشهر” .

أول الخطوات الواجب اتباعها في حال تعرضت الفتاة للابتزاز بحسب أ.محمد جهلان رئيس لجنة الإعلام والعلاقات بجمعية الإنترنت في اليمن هي إخبار أهلها أو زوجها، فمن المؤكد أن المبتز لن يكون أرحم وأكثر تعاونًا من أهلها، حتى و إن كان هناك خطأ منها، يلي ذلك إخبار السلطات الأمنية بالواقعة.

يضيف جهلان : “يجب على كل فتاة أن تخصص وقتًا ولو ربع الوقت الذي تقضيه في استخدام الإنترنت المخصص للتصفح ووسائل التواصل الاجتماعي، لقراءة وسائل الأمن والسلامة و كيفية التعامل الآمن مع الإنترنت عموماً ووسائل التواصل الاجتماعي خصوصًا و التي بحسب كثير من الدراسات تؤكد أن معظم الاختراقات تكون موجهة نحوها.

الخبيرفي الأمن الرقمي أ. فهمي الباحث يقدم من جهته ارشاداً للفتيات والنساء في حال تعرضن لهذا النوع منالعنف :

استرخِ وخذي نفساً عميقاً ، صفِّ ذهنك حتى تتمكني من اتخاذ القرار الأمثل بشأن من يمكنك التواصل معه وما ستقولين له على أن يكون شخصا موثوقا يجيد التصرف ، ولا تعرضي نفسك لخطر مواجهة شخص ما وحدك.

يذكر أنه لا توجد أية إحصائيات دقيقة في اليمن عن النساء والفتيات اللاتي تعرضن للعنف سواء بالتحرش أو الابتزاز عبر الإنترنت كون اليمن بلدًا محافظًا جداً، الأمر الذي فاقم الأثر النفسي على الضحايا وأجبرهن على تحمل العنف وحدهن بصمت ، فلا قانون صريح يحميهن من هذه الجريمة و لامجتمع يسندهن بحسب الكثيرات ممن تعرضن لهكذا عنف رقمي.

(تنشر هذه القصة بالتزامن مع نشرها في منصة “هودج”، وفقًا لمذكرة تفاهم بين منصة ميون ومركز الدراسات والإعلام الاقتصادي)