الهجرات الافريقية وأثرها الثقافي في السواحل اليمنية

الهجرات الافريقية وأثرها الثقافي في السواحل اليمنية
الهجرات الافريقية الى اليمن وتأثيرها الثقافي على سكان السواحل

ياسمين الصلوي – الحديدة

تعد محافظة الحديدة من المدن اليمنية التي تحتضن الكثير من الأسر ذات الأصول الأفريقية، سواء مهاجرين معاصرين، أو يعود تواجدهم لهجرات قديمة. يتشابهون في بشرتهم وبعض ملامحهم مع أبناء المدينة، وحدها لهجتهم من تميزهم عن سكان المحافظة.

ليست الحديدة فقط موطن الأفارقة مدن يمنية اخرى تشهد نفس التواجد الملفت غير أبناء الجنسيات العربية الأخرى التي يعد تواجدها نادر جدا في عموم البلاد، ففي مدينة عدن الساحلية  يعيش الآلاف من الأفارقة.

 عدن وغيرها من المدن تكتض بذوي الأصول الأفريقية وأغلب هذه الأسر يرجع سبب تواجدها إلى هجرات قديمة، يقول اخصائيين في علم التاريخ إن بداياتها تعود إلى القرن العشرين.

تلك الهجرات المتتالية من القرن الأفريقي إلى اليمن تركت تواجد افريقي كبير في مناطق يمنية أصبحت موطنا بديلا للكثير من الأفارقة خصوصا عدن ولحج والحديدة، حي البساتين في دار سعد وبعض أحياء في المعلا في عدن يشكل المهاجرين الأفارقة نسبة كبيرة من سكانها، كما يعيش العديد من الأفارقة في أحياء كثيرة في مناطق بمدينة الحديدة خصوصا الحارات والاحياء  الشعبية.

هذا التواجد الأفريقي في اليمن كرس ثقافات باتت جزء لا يتجزأ من عادات وتقاليد مناطق يمنية ساحلية.

عادات وثقافة أفريقية

 ثقافة الأكلات الشعبية من الثقافات التي انتقلت عن طريق مهاجرين أفارقة اتخذوا اليمن وطننا أخر لهم، منها اللحوح الذي يعتبر أكلة شعبية تشتهر به كثير من المناطق اليمنية منها تعز وصنعاء والمحويت وغيرها، ويعتبر اللحوح أكلة شعبية صومالية الأصل إضافة إلى وجبة الزجني الذي يتفنن في تجهيزها سكان مدن يمنية ولا تخلو موائدهم منها خصوصا عدن والحديدة ومدن اخرى. .

  العصيد أو العصيدة وجبة يمنية يرجع اصلها الى السودان، إلى جانب المرق الحامض باتت وجبة يمنية شعبية، هي الاخرى وجبة حبشية الأصل. حسب مواطنين يمنيين عاشوا في دول افريقية

الكثير من الأكلات الأفريقية تزخر بها موائد اليمنيين، منها وجبة كشنة كروش، شيرو، طبس حبشي، دولت، كتفو وجميعها اكلات حبشية، واكلات سودانية منها المديدة وسلطة سوداء بالباذنجان، كمونية.

 وتعد أكلة القوارمة أكلة شعبية صومالية يفضلها كثير من اليمنيين وهي عبارة عن لحم جمل مقطع إلى أجزاء صغيرة يجفف بالشمس ثم يدفئ مع السمن ويوضع مع الفاصوليا والفول والبيض.

 

ثقافة حاضرة في المناسبات

 “قبل أن أذهب لإحياء حفل زفاف يتطلب مني تجهيز الكثير من الأغاني الحبشية والصومالية وأخرى سودانية تلبية لطلب الحاضرين. هكذا تقول فنانة الديجي عبير وهي فنانة شعبية في الحديدة.

تضيف.”الذين يطلبون هذه الأغاني ليس بالضرورة أفارقة ، كثير نساء من الحديدة يفضلون سماع اغاني أفريقية والرقص عليها وهذا يتكرر في أغلب المناسبات بل بات سماع هذه الأغاني ينافس الأغاني اليمنية التي يفضل سماعها في الأعراس والمناسبات الفرائحية الأخرى.

تؤكد الفنانة عبير أنها تحيي مناسبات لأسر أفريقية خصوصا ذات الاصول الصومالية والحبشية وأن هذه العائلات تتواجد في الحديدة بشكل كبير.

وتشير في حديثها لمنصة “اعلام من اجل المهاجرين” إلى أنه يوجد فنانيين من أصول أفريقية في الحديدة من يتولون أحياء اغلب مناسبات الأفارقة.

في الحديدة يتقن الرقصات الأفريقية ليس الأفارقة المتواجدين في المدينة فحسب بل سكان المدينة أنفسهم، من خلال الأختلاط بالأفارقة وتقارب منازلهم، لاسيما التواجد بعدد كبيرة جعل سكان المدينة يدمنون عادات وتقاليد الافارقة حيث يعتبر الرقص الحبشي والصومالي من الرقصات الشهيرة الحاضرة بقوة إلى جانب الرقص الشعبي الحديدي في مناسبات النساء.

حقيقية أصولهم

 يتحدث على مغربي الأهدل وهو مؤرخ وأديب عن الوجود الأفريقي في اليمن يقول”من الطبيعي بحكم الجوار الجغرافي بين تهامة وساحل البحر الأحمر الأفريقي أن تنشأ هجرات وثقافات متبادلة بين المنطقتين وهذا واضح من خلال الاطلاع على التاريخ.

ويضيف الأهدل في حديثه أنه بالنسبة لتاريخ تواجد الأفارقة المعاصرين في اليمن وهم اليوم جزء من السكان اليمنيين، هناك بعض الآراء، من المؤرخين من يعيد تواجد الأفارقة واستقرارهم بالمنطقة الى الغزو الحبشي لليمن خلال القرن السادس الميلادي. هناك أيضا من يعزو تواجد هذه الفئة من السكان الى عصر الدويلات الإسلامية في اليمن والتي جعلت من زبيد عاصمة لها وتحديدا إلى فترة حكم النجاحيين وأنا صراحة أميل إلى هذا الرأي. يقول الاهدل.

التهرب من الاعتراف

البعض من المهاجرين المعاصرين الأفارقة الذين يعيشون في اليمن يتهربون من الاعتراف بأصولهم ويعد ابناء الهجرات الأقدم أكثر تهربا وأن كان واضح من خلال لهجتهم وملامحهم فهم يفضلون عدم التحدث عن هوياتهم.

يقول حسن أحمد (اسم مستعار) وهو أحد السكان مدينة الحديدة أن كثير من جيرانه يعود اصلهم الى دول افريقية يرفضون الإعتراف بهويتهم، لذا يحاول تجنب الأستفسار عن أصولهم او ذكر سلالتهم لأن ذلك يزعجهم.

أشخاص أخبروا معد التقرير أنهم يعرفون اصدقاء أصولهم تعود لدول القرن الأفريقي إلا انهم يغضبون حين تخبرهم انهم أفارقة كونهم لا يعترفون.

عن أسباب تهرب الكثير ممن يعودون بأصولهم الى القرن الأفريقي من الاعتراف بتلك الأصول سواء كانوا من المهاجرين المعاصرين أومن فئة المهمشين التي يرجع اصلهم الى افريقيا يرى الباحث والمؤرخ  على مغربي الاهدل أن سبب ذلك التهرب يعود لأسباب  تاريخية  وثقافة مجتمعية تعود خلفيتها التاريخية الى زمن سقوط الدولة النجاحية التي اعتمدت في جيشها على العنصر الحبشي بحسب الروايات.

ويوضح الأهدل أن الممارسات التي قامت بها الدولة النجاحية التي كان معظم جيشها وموظفي الدولة وعمالها من الأحباش، والتي انتهت بهزيمتهم من قبل الدولة المهدية، أدت إثر سقوط الدولة النجاحية الى بعض الانتقادات على أثرها حدث التمييز العنصري، ومورست ضدهم العديد من الأساليب القهرية.

ويرى الأهدل أن تهرب هذه الفئة من الأعتراف بأصولهم الأفريقية  يمثل محاولة منهم للتخلص من الإرث الذي أثقلهم واتعبهم وجعلهم يشعرون بمعاناة أشد تتمثل في الشعور بعدم المساواة ونظرة المجتمع اليهم منوها الى ان تلك النظرة وذلك الشعور في طريقه الى التلاشي وأخف مما كان عليه في السابق.

 

الهجرات الأفريقية القديمة.

في هذا الصدد يرى أستاذ التاريخ رشاد الحريبي أن الهجرات الأفريقية القديمة الى اليمن كان أهمها الهجرات التي رافقت حملة ابرهة والتي كان الغرض منها السيطرة على اليمن ونشر الديانة المسيحية التي كانت ديانة إمبراطورية الحبشة وكان ذلك في القرن السادس الميلادي وبعد انتهاء السيطرة الفعلية للأحباش  إلا أن الكثير  من الأحباش فضلوا البقاء في اليمن وأصبحوا جزء من المجتمع اليمني.

ويقول الحريبي أن الهجرات الحديثة، كانت في نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين إبان الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن.

ويشير الى أن هذه الهجرات زادت بسبب توفر فرص العمل واستمرت حتى بعد خروج بريطانيا من اليمن وأن موجة من الهجرات الأفريقية انتقلت إلى اليمن في أواخر القرن العشرين، من الصومال بسبب الحرب الأهلية التي حدثت في عام 1990. وقد حدثت هجرات أخرى من إثيوبيا بسبب الصراع في إقليم أوجادين الذي تسيطر عليه إثيوبيا والذي يعيش به أغلبية سكان صوماليين إلى جانب مشكلات أخرى شهدتها دول في القرن الأفريقي.

يؤكد الحريبي أن  أفراد من هذه الهجرات فضلوا البقاء في اليمن وأصبحوا جزء من المجتمع اليمني فظهرت سلالة سكانية ذات بشرة سمراء فانتشر تواجدهم في كثير من المناطق اليمنية وزاد تمركزهم في المناطق الساحلية.

يرى الحريبي إلى أن النسبة الكبيرة من المهاجرين إلى اليمن من الصومال بسبب القرب وبسبب الأوضاع الصعبة التي حدثت في الصومال.

موطن آخر

“اليمن موطني الأخر وسيبقى نبض قلبي يمنيا، اليمن من الدولة التي استقبلت الصومال أحب اليمن موطن وشعب. بهذه العبارات تحدثت الشابة الصومالية إحسان عن ارتياحها لموطنها الثاني.

 

إحسان من مئات الأفارقة الذين وجدوا اليمن بلدا احتواهم رغم الظروف الذي تعيشه والأزمات حد قولها.

تعيش إحسان في عدن من أب وام يحملون الجنسية اليمنية وهم من مواليد عدن تعود  أصولهم الى دولة  الصومال، تقول أحسان أن أجدادها من المهاجرين الأفارقة الذين قدموا من أفريقيا مع الآلاف واتخذوا من مدينة عدن بالتحديد حي البساتين في الشيخ سكنا لهم.

وتضيف بأن الكثير من الصومال اتخذوا اليمن وطنا آخر لهم، وأنهم يرون أن عودتهم الى بلدانهم ليست ضرورية خصوصا أن الكثير من ذويهم يتوافدون الى اليمن بشكل دائم.

 

تعيش إحسان مع مجموعة كبيرة من الصومال الذين يحملون الجنسية اليمنية، يشكلون أسرة واحدة يتشاركون الظروف والهموم، يعتبرون اليمن موطنهم الأخر.

الهجرات الجديدة

منذ بدأت الحرب في البلاد ولقت مدينة الحديدة نصيبها منها توقف تدفق المهاجرين الأفارقة إليها، حتى وان كانوا غير قاصدين المدينة مجرد عابرين تغيرت وجهتهم إلى مدن يمنية اخرى بسبب الدمار الذي حل بالمدينة والذي صاحب نزوح غير مسبوق للأهالي، هذا ما اكده ناشطين و صحفيين في مدينة الحديدة لمعد التقرير لسؤاله عن إذا كان هناك تدفق للمهرجرين الأفارقة الى المدينة. منظمات عاملة في مجال الهجرة أكدت لمعد التقرير بعدم وجود إحصائيات لديها بخصوص المهاجرين الأفارقة في الحديدة.

فيما يقول ناشط إعلامي في مدينة الحديدة فضل عدم ذكر اسمه أن الجموع من الأفارقة الذين كانوا يسيرون في شوارع المدينة وفي الأسواق وعند أبواب المطاعم وفي الطرقات وغيرها اختفوا تماما من المشهد في السنوات الأخيرة.

“في الأعوام الماضية قبل الحرب كان العديد من الأفارقة يتدفقون إلى الحديدة لانهم كانوا يستخدموا المدينة نقطة عبور أو مرور إلى دول الخليج خصوصا السعودية على اعتبار قريبة جغرافيا من الأرضي اليمنية لاسيما الحديدة.

ويؤكد المصدر أن هناك عدة عوامل لعدم وصول المهاجرين لأفارقة الى الحديدة منها الوضع الذي تمر به سواء الحرب او الوضع الاقتصادي وويلات الحرب الأخرى.

ويشير المصدر انه لا يوجد تضليل إعلامي في الحديدة لعدم وجود مهاجرين جدد في المدينة بسبب الحرب وما حل بالمدينة من دمار جعل المهاجرين الذين يتدفقون الى اليمن يغيرون طريقهم إلى مدن آخر غير الحديدة .

في هذا السياق يقول الأديب والناشط على الأهدل “موضوع اللاجئين في الحديدة لا يخفى على أحد لا يوجد لاجئين او مهاجرين أفارقة بالحديدة في الفترة الحالية، اختفوا من شوارع المدينة منذو بداية الحرب في البلاد بشكل عام والحديدة بشكل خاص. ويضيف أنه بسبب الحرب والحصار المفروض على المدينة وإغلاق الطرقات تم ترحيل الكثير من الأفارقة المهاجرين الموجودين في المدينة من قبل منظمات وجهات تعمل في مجال الهجرة واللجوء من خلال أنشطة وبرامج لها.

” أما التضليل الإعلامي بحق المهاجرين الأفارقة فهو قائم في المناطق والمدن الذي تشهد تدفق مستمر للمهاجرين، ومدن تشكل نقطة وصول أو عبور لهم. ويختم حديثه قائلا” حيث يوجد مهاجرين أو لاجئين يكثر التضليل الإعلامي والأخبار الكاذبة والمغلوطة عنهم.يقول الأهدل

مواطنة في الحديدة فضلت هي الأخرى عدم ذكر اسمها تتحدث لمعد التقرير عن سؤال هل تشاهدون مهاجرين جدد في المدينة من القرن الافريقي” كنت أشاهد وفود من الأفارقة خصوصا من الصومال والاثيوبيين وغيرهم قبل سنوات سخصوصا في شارع المطار وشارع صنعاء ونلاحظهم يجلسون على أرصفة شوارع كثيرة يحملون القليل من الملابس على أكتافهم، كأنهم عابرين.

تقول” بعد تدهور الأوضاع في البلاد بدأنا نشاهد تلك الجموع من الأفارقة تختفي تدريجيا وباتت المدينة تخلو من الأفارقة ومنذ سبع سنوات أصبحت الحديدة خالية منهم تماما.

فيما تقول صحفية من المدينة طلبت عدم ذكر اسمها انها كانت تشاهد إعداد كبيرة تمر من الشارع القريب من منزلها واختفت تلك الإعداد منذ بداية الحرب في البلاد، وتضيف” من خلال متابعتنا للوسائل الإعلامية المختلفة يتغيب الحديث عن المهاجرين الأفارقة في الحديدة لعدم تواجدهم فيها. وتغيرهم مناطق عبور إلى مبتغاهم.

 تقول انجيلا ويلز أن غالبية المهاجرين الذين يصلون إلى اليمن (حوالي 90٪) يسافرون أولاً براً عبر إثيوبيا إلى أوبوك في جيبوتي. ومن هناك، يقومون برحلة محفوفة بالمخاطر على متن قوارب عبوراً بخليج عدن إلى لحج اليمن، أما الباقون فيسافرون عبر الصومال، مغادرين من بوساسو بالصومال وصولاً إلى شواطئ اليمن في شبوة أو حضرموت.

 وأفادت مسؤول الاعلام والتواصل في المنظمة أن مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة أنه حتى 30 نوفمبر ، وصل أكثر من 24,000 مهاجر إلى اليمن في عام 2021م،  حوالي 90 في المائة منهم إثيوبيون.

 

تنشر هذه المادة بالتزامن مع منصة “اعلام نت اجل المهاجرين”