لستُ كمالة عدد

لستُ كمالة عدد
لستُ كمالة عدد

أروى الشميري

وجدتها على قارعة الطريق مستندة على عمود كهرباء، وعلى الرغم من ارتجاف يديها بسبب البرد، ومظهرها ذي الملابس المهترئة، كانت هي نفسها، تلك المرأة التي لم تكن تكل أو تمل أيام الانتخابات المحلية في العام 2001م لحشد النساء للتصويت للمرشح (س).

هدى (اسم مستعار) تم استغلالها وغيرها ليكنّ مجرد أدوات وأرقام في كشوفات الناخبين، وتهميشهنّ بعد ذلك، تقول :”لم أعد أجد ما أطعم به أطفالي. كل وعودهم ذهبت هباء”، وتوضح: “وعدني المرشح (س) بتوظيفي أنا ومجموعة من النساء إذا فاز بالمنصب، وبعدها أغلق بابه ولم يعد يسمع لنا، بل أصبح يحارب النساء ويعتبر أصواتنا عورة”، تبتسم بمرارة وتستطرد: “قال إن البيت هو مكاننا وليس مزاحمة الرجال في الحياة السياسية، نسى كل ما كان يتشدق به عن حقوق المرأة، وبأنها شقيقة الرجل ونصف المجتمع”.

مجرد أداة

كانت هدى في العام 2001م شخصية كارزمية، يمكنها أن تنافس على عضوية المجلس المحلي لدائرتها، ولديها شخصية قوية ومهارات في التواصل والإقناع، لكنها وبسبب وضعها المادي وجدت نفسها مجرد أداة، حيث وظفت مهاراتها في سبيل إنجاح مرشح رجل ليشغل المقعد الذي تستحقه هي.

مع قيام الوحدة اليمنية العام 1990م بدأ تراجع حال المرأة التي كانت قد حصدت مكتسبات ذات قيمة في عقدي الستينات والسبعينات

هدى لم تكن الوحيدة التي خاضت هذا النوع من التجارب المحبطة، فغالبًا ما تعمل السياسة على توظيف مهارات أشخاص لخدمة أخرين، يبدأ الأمر بتصدير المرأة إلى الواجهة لغرض حشد الأصوات النسائية، ثم تختفي النساء ويظهر الرجال مسيطرين على المشهد.

وفي بلد تغلب فيه الأعراف القبلية، ليس من المستغرب أن تهتم الأسرة بتعليم الولد، وترى في تعليم البنت نوعًا من الرفاهية والترف، فالبنت في نظر قطاع واسع من المجتمع مصيرها المطبخ، كونها كمالة عدد حتى على مستوى الأسرة، حد وصف كثيرين.

نقطة تحول

برز الإسلام السياسي في اليمن مع قيام الوحدة اليمنية العام 1990م، ومعه بدأ تراجع حال المرأة التي كانت قد حصدت مكتسبات ذات قيمة في عقدي الستينات والسبعينات، حيث حققت المرأة حضورًا فاعلًا في مجالات السياسة والاقتصاد والقضاء مثلها مثل الرجل، خصوصًا في جنوب اليمن (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية).

بدأ الأمر بإقصاء النساء من المواقع السياسية والتشريعية، حيث وصلت إلى البرلمان امرأة واحدة فقط في أول انتخابات تشريعية بعد قيام الوحدة، ثم باستخدام مهاراتهنّ لإيصال الرجل إلى المواقع السياسية على حساب حصة المرأة التي تمثل نصف سكان البلد، ونظرًا لوجود أحزاب عريقة يسارية الفكر في البلد، بدأ التمايز بالظهور منذ تلك الفترة بشكل أكثر وضوحًا.

شاركت جوهرة حمود ضمن مقاعد قيادة جلسات الحوار، وشاركت رنا غانم، ضمن وفد الحكومة المعترف بها دوليًا في مشاورات السويد

وتتضح في الريف المعالم أكثر، حيث تعمل المرأة في زراعة الأرض ونقل الماء والحطب إلى جانب مهام البيت، في حين تنسب الصفة المهنية للرجل “مزارع”، وأكثر من ذلك يحدث في عدد من المناطق، كما هو الحال في جبل صبر جنوب مدينة تعز، حيث تقوم النساء بأعمال الزراعة وحصاد المحصول وبيعه في الأسواق التي تبعد مسافات وعرة وطويلة عن مناطق عيشهنّ.

أروقة سياسية

في أروقة الأحزاب السياسية يتم إقصاء وتهميش المرأة المتعلمة المثقفة المؤهلة لممارسة العمل السياسي، وإن صعدت فغالبًا ما يكون ذلك لأغراض سياسية، كأن تكون واجهة لتمرير الخطاب والتواصل مع العالم في حين تُسحب منها صلاحيات اتخاذ القرار، حيث تعمل وفق ما يُملى عليها من قبل القيادة الذكورية.

يقول أمين سر التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري في محافظة تعز، الأستاذ عادل العقيبي، إن حزبه (يسار قومي) داعم لمشاركة النساء في العملية السياسية مدللًا كلامه بانتخابات لجنة الحزب المركزية، حيث حصدت النساء 23 من 87 مقعدًا، هم قوام اللجنة المركزية، مقابل 64 مقعدًا للرجال، ويضيف: “حققت النساء نسبة 26% بفارق 4% أقل من سقف الكوتا النسائية التي أقرتها الأحزاب السياسية ومخرجات الحوار الوطني في اليمن بنسبة 30%”.

خسرت المرأة اليمنية معظم تلك الاستحقاقات، وبلغ الأمر حد خلوّ الحكومة المعترف بها دوليًا من النساء في المقاعد الوزارية

وحصدت المرأة في الحزب الاشتراكي اليمني أربعة مقاعد في المكتب السياسي (أعلى هيئة حزبية)، وثلاثة مقاعد في الأمانة العامة بينها موقع الأمين العام المساعد للحزب، وكان الاشتراكي أول حزب يمني يلتزم بالكوتا التي أقرها مؤتمر الحوار الوطني، حيث مثلت النساء في مختلف هيئات الحزب القيادية بنسبة 30% خلال الكونفرنس الحزبي الأخير 2014م.

وسجلت المرأة حضورًا فاعلًا في مؤتمر الحوار الوطني ضمن المقاعد القيادية في وفدي الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الناصري، حيث شاركت جوهرة حمود، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي، ضمن مقاعد قيادة جلسات الحوار، في حين توزعت أخريات في قيادات اللجان المتخصصة، وشاركت الأمين العام المساعد في التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، رنا غانم، ضمن وفد الحكومة المعترف بها دوليًا في مشاورات السويد، ما منح النساء بعض الإيجابية.

خسران

“لدينا في البرلمان 300 نائب رجل، والعدد الباقي نساء”، هكذا يتندر الشارع اليمني المناصر لحقوق وقضايا المرأة حين يتم الحديث عن حصة النساء في مراكز صنع القرار، ويتضح المغزى حين نعلم أن إجمالي عدد نواب البرلمان اليمني 301عضو.

وكانت أوراس سلطان ناجي العضوة الوحيدة في البرلمان عن الدورة البرلمانية 2003- 2009م من الكتلة البرلمانية لنواب حزب المؤتمر الشعبي العام عن الدائرة الانتخابية (22) محافظة عدن.

من جانبه، يوضح القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، الأستاذ مهيوب الحبشي، حصة النساء في المواقع القيادية لحزبه وفق الانتخابات الحزبية في المؤتمر العام السابع العام 2005م بالقول: “حصدت المرأة نسبة 9% في اللجنة العامة، و23% في عضوية اللجنة الدائمة، و29% في مواقع أمناء عموم مساعدون”.

مؤخرًا، وفي ظل الحرب الحالية، خسرت المرأة اليمنية معظم تلك الاستحقاقات، حيث تراجعت الواجهة السياسة في مقابل تصدر السلاح واجهة المشهد، وبلغ الأمر حد خلوّ الحكومة المعترف بها دوليًا من النساء في المقاعد الوزارية.

لستُ كمالة عدد

تنشر بالتزامن مع منصة هودج