بين الأمومة والوظيفة.. أمهات يغادرن وظائفهن قسرًا لرعاية أطفالهن[1]

بين الأمومة والوظيفة.. أمهات يغادرن وظائفهن قسرًا لرعاية أطفالهن[1]

تقرير/ حنين الوحش

“الأم مدرسة” تكاد تكون هذه الجملة هي التعريف الأشهر للأم، في المجتمع العربي واليمني خصوصًا، إذ أنك تجدها لصيقة على كل لسان، كلما ذُكرت المرأة بوظيفتها أُمًّا، لكن ماذا عن معلمات وعاملات أخريات اضطررن لترك أعمالهن، لمجرد أنهن أمهات!

تقول كوثر العبسي، معلمة متقاعدة: «أقوم بتربية حفيدتي لأن والدتها مهددة بالتسريح من العمل في حال تغيبت عن الحضور مهما كانت الأسباب»، وتضيف كوثر «هذه مشكلة شاقة واجهتني أيضا حين كانت ابنتي بسن طفلتها اليوم».

عاشت كوثر تجربة ابنتها المريرة ففي العام 1996م عملت مدرسة في إحدى مديريات تعز وتقول: «كنت أعمل معلمة في إحدى المدارس الحكومية في مدينة تعز، وكانت طفلتي حينها بعمر العامين، لهذا كنت مضطرة لاصطحابها معي، وإبقائها مع إحدى الزميلات حين موعد حصتي، غير أن مديرة المدرسة منعتني من ذلك، وبلكنة عابسة قالت لي «هذه مدرسة وليست دار حضانة».

هنا اضطرت  كوثر إلى إيداع طفلتها في دار حضانة وكانت تدفع نصف راتبها الوظيفي للدار، تقول كوثر: “كان هذا قبل سنوات، أما اليوم فالوضع أكثر تعقيدا وأعلى كلفة، ربي يعين بنات هذي الأيام”.

وتواجه عدد من النساء العاملات، ذات المشكلة، غير أنه في حين قُدِّرَ للمعلمة كوثر أن تودع طفلتها في دار حضانة، لم يتسنى لكثيرات ذلك.

حضانات باهظة وغير آمنة

يتعين على الأم التي وجدت في دور الحضانة حلًّا أن تواجه تحديات الإنفاق، إذ أن معظم من قابلنهن أكدن انفاق 50%  من دخلهن- مع تدني أجور العمل في اليمن- مقابل دفع الرسوم الشهرية لدور الحضانة، وهو خيار صعب ومستحيل لمن تمتلك طفلين وأكثر.

وأكدت منى أحمد، مديرة روضة وحضانة «سمارات كيدز» في عدن، أن نسبة اعتماد الأمهات على نشاط الحضانة تراجع مؤخرًا بسبب الارتفاع في تكاليف الخدمات المقدمة. وقالت أن الحضانة التي تديرها، اضطرت لرفع كلفة رعاية الطفل بسبب الزيادة السعرية في إيجار العقار «الشقة» التي تؤجرها الحضانة من أحد الملاك.

وتحتضن حضانة وروضة «سمارت كيدز» عدد« 6 أطفال يتلقون خدمات الحضانة «تتراوح أعمارهم بين (١-٣) سنوات» إلى جانب «40 طفل يتلقون خدمات تعليمية kg1-2 (روضة)، وتتراوح أعمارهم بين (٣-٦) سنوات»، بحسب تصريح السيدة منى.

ورصد هذا التقرير عدد ست حضانات في مدينة إنماء وحدها، وسط مدينة عدن، وواحدة في خور مكسر شرق عدن، وتتراوح أجور الخدمات التي تقدمها دور الحضانة الخاصة بين (30$ – ١٠٠$) للشهر الواحد عن كل طفل، ووجد التقرير أن حضانتين من أصل سبع حضانات، يفتقدن لمعايير وشروط إنشاء حضانة، وهو ما يجعلها غير آمنة، الأمر الذي يمنح مخاوف ليزا عبدالله جانبا من المنطق «إن وجدت خيارات فهي صعبة دائما، غير أن اعتمادي على دور حضانة هو الاحتمال غير الوارد البتة لمخاوف كثيرة سبق أن ذكرتها».

وتنفي ليزا وجود خيارات أخرى متاحة أمامها، للعدول عن خيار مغادرة العمل، فهي تعتقد أن استخدام إحدى دور الحضانة، المنتشرات حاليا، «غير مرخصة في الغالب أو غير خاضعة للرقابة وغير آمنة ونظيفة بسبب ظروف الصراع المسلح، إلى جانب تكلفتها باهظة الثمن» وهو ما لا يتفق مع ما تتلقاه من أجر شهري لقاء عملها.

ساعات دوام مجحفة

تتفق تجارب عدد من الأمهات العاملات، اللواتي استمعنا لهن أثناء بحثنا موضوع هذا التقرير، من بين هاته القصص، ما روته لنا أوسان حمود، غير أن الأخيرة غادرت العمل مع إنجاب طفلها الأول.

تعتقد أوسان أن أرباب العمل، يستغلون ظروف النزاع المسلح وحاجة الأسر للعمل، في فرض شروط قسرية مجحفة على العاملين خصوصًا ذوي الاحتياج المالي، لدفعهم نحو تحمل أعباء إضافية، من بينها تمديد ساعات العمل أو تكليفهم بمهام خارج الدوام الرسمي وخارج اختصاصاتهم.

وتأكيدًا على ذلك تقول «أمضيت عاما كاملا في العمل لدى شركتين كبيرتين، على التوالي كمحاسبة مالية، دون أن أحصل على عقد عمل رسمي، رغم مطالباتي المستمرة بذلك لضمان حقوقي غير أنني غادرت العمل مع انجاب طفلي الأول إذ لم أحصل على إجازة».

دوام جزئي

وفي رحلة بحث غالبية النساء عن دوام جزئي، كحل بديل، التقينا مريم محمد (اسم مستعار) في معرض لبيع الملابس النسائية ضمن مول تجاري وسط مدينة تعز، تقول أنها غادرت عملها كسكرتارية في مؤسسة حكومية والتحقت بالعمل في المول، بما يلائم ظروفها كأم.

ورغم أن الدوام الجزئي هو الآخر يقلل من تمكين وحضور المرأة كيد عاملة غير أن الأمهات وجدن فيه حلًّا مؤقتًا لكسر صرامة نظام الدوام في القطاعات الكبيرة والمتوسطة، ومع ما تعيشه النساء في اليمن، من تهميش وتغييب، عدا أن سوق العمل يشهد إقبالا جيدًا من النساء في السنوات الأخيرة مع تضائل دخل الأسر وحاجتهن الماسة للعمل.

رياض حكومية مهملة وحلول معقدة

يبلغ عدد رياض الأطفال الحكومية في اليمن 274 روضة، وتتركز جميعها في المحافظات الجنوبية، غير أنها مخصصة للأطفال الذين يتجاوزن سن الثالثة فحسب، ومع افتقارها للخدمات فإن عدد الأطفال المسجلين بها 29,364 طفلا نصفهم إناث للعام 2024، بحسب معلومات حصلنا عليها من إدارة رعاية الطفل في وزارة التربية والتعليم، في عدن.

وفيما يتعلق بالحضانات، تقول إيمان عمر، مدير عام رعاية الأطفال مكتب عدن، أن لا وجود لقانون أو لائحة تشمل حضانات ضمن السلم التعليمي الجديد الخاص بوزارة التربية والتعليم، وهو ما تكفل به القطاع الخاص ومستثمرين وقليل من الجامعات أو المشافي، وهي خاضعة لإشراف وزارة الشئون الاجتماعية والعمل.

وتُعطي المادة (106) من القانون رقم (45) لسنة 2002م بشأن حقوق الطفل في اليمن، الأمهات العاملات الحق بإنشاء حضانات ضمن المؤسسة أو الشركة أو المرفق الذي يعملن فيه في حال زاد عدد العاملات عن العشرين موظفة، دون الحديث عما يمكن للقانون أن يضمنه لهن من إمكانيات وحقوق وواجبات ودعم ونفقات.

دفع غياب دور رعاية الأطفال الحكومية وارتفاع تكاليف دور الرعاية الخاصة إلى جانب التعامل الصارم مع النساء في القطاعين العام والخاص، إلى مغادرة الأمهات سوق العمل والبقاء في المنزل لرعاية الأبناء، وترى، إيمان عمر، أن الحل المتاح هو بناء حضانات للمرأة العاملة على مستوى مرافق العمل والإنتاج إلى جانب الاهتمام بتوظيف وتأهيل إدارات ومربيات وفتح مساقات تخصصية خاصة بالمرحلة العمرية للطفل باعتبارها أهم مرحلة لبناء الإنسان وأهم مراحل التعليم العام.

ومن أجل ذلك تخوض النساء في اليمن كفاحًا مريرًا لانتزاع حقوقهن في الحصول على فرص توظيف، وتعزيز حضورهن في سوق العمل والتغلب على النمطية الذكورية السائدة، غير أن فرص هذا الكفاح تخفت كلما اتجهن نحو الأمومة، وهي إشكالية كبيرة تكاد تكون غائبة في تدخلات وبرامج الجهات المهتمة بحقوق المرأة.

[1] (تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة اخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية)