تعز – محمد الحريبي

بدأت وئام – 28 عامًا – خريجة ليسانس حقوق، شق طريقها في العمل المجتمعي منذ العام 2018 م، ومع إصرارها المتجدد على الاستمرار،قدمت على استمارة المشاركة في مشروع “سند” الذي نفذته مؤسسة شباب سبأ للتنمية في محافظة تعز، جنوب غرب اليمن، ليأتي إبلاغها بقبولها كفرصة لانطلاقة جديدة تصنع من خلالها التغيير.

تقول وئام: “أركز، في الغالب، على المجالين الإنساني والحقوقي، وبالذات ما يتعلق بالمرأة، لكنَّ فكرة العمل في المجلس المجتمعي كانت خطوتي الأكبر؛ لأثبت قدرةالنساء على تحقيق النجاح”.

 

الرئيسة الأولى

في الثالث من يوليو الماضي، وجدت وئام نفسها جديرة بالترشح، من بين عشرة ناشطين شباب، وممثلي سلطات محلية، لرئاسة المجلس المجتمعي المختص بحل النزاعات المجتمعية، والأعمال التنموية، وعلى الرغم من أنها ترشحت لرئاسة المجلس إلى جانب رجل آخر، فازت وئام بغالبية الأصوات.

تقول وئام: “التحدي تمثل في أن الفريق يتكون من ممثلين للسلطة المحلية،لديهم خبرتهم في العمل، وناشطين شباب. حاولت، في البداية، مراعاة حساسية وجود أشخاص بيني وبينهم فارق سن وخبرة، لكنّهم وثقوا بي!”.

ويقول عبده سعيد، وهو أحد أعضاء المجلس: “القضية ليست في الجنس، ولكن في أنّ وئام من الشباب الكفء، وأثبتت جدارتها في مراحل تشكيل المجلس الأولى، ولديها قدراتكبيرة، ورغبة في التقدم”.

 

تجربة فريدة

“بعد انتخابي لرئاسة المجلس، شعرت بثقل المسؤولية، وصعوبة التحدي”، تقول وئام واصفة ردة فعلها بعد فوزها في انتخابات رئاسة المجلس، مضيفة: “لكنَّ ذلك منحني دفعة إيجابية كبيرة، وتقديرًا معنويًا عاليًا؛ للقيام بهذه المسؤولية كما ينبغي”.

وتصف وئام تجربة رئاستها المجلس، طوال أربعة أشهر من العمل، بأنها “تجربة رائعة للغاية”، مؤكدة أنها استفادت منها الكثير، وما زالت، وتضيف: “كانت هناك صعوبات وتحديات؛ كإيمان بقية أعضاء المجلس بكون من يقودهم امرأة، لاحظت، في البداية، أنّ البعض لا يزالون يفكرون بهذه الطريقة، لكن ذابت هذه الفروقات بعد الاجتماعات التي عقدناها”.

الانخراط بين الناس

بدأت وئام ممارسة مهامها كرئيسة للمجلس، لتنتقل إلى تحديات جديدة تمثلت في تقبل الناسلها، خاصة وأنها بدأت بالعمل على حل نزاع مجتمعي، بين حيين سكنيين، استمر لسنوات.

لكنّها تؤكد أن أفراد المجتمع، وخاصة الشخصيات المؤثرة في النزاع الذي كان قائمًا بين سكان حييّ المنجرة والمحطة في مديرية صالة، رحبوا كثيرًا بجهودها للحل، مضيفةً: “عقدنا معهم عدة جلسات، تمكنَّا، في آخرها، من عقد اتفاق بينهم على تجنب أي نزاعات مستقبلية، وتنفيذ مشروع إصحاح بيئي؛ لإنهاء أسباب النزاع القائم”.

حاجة ماسة للحل

يقول علي حسن، وهو أحد أبناء حارة المنجرة: “ضقنا، جميعًا، من استمرار النزاع طوال السنوات الماضية؛ بسبب طفح مياه الصرف الصحي من حارتنا إلى حارة المحطة، وكانت المشاكل شبه يومية بين أبناء الحارتين، وزياراتنا إلى قسم الشرطة تتكرر مع كل مشكلة؛ لذا رأينا في المجلس المجتمعي فرصة لإنهاء هذه المشكلة من جذورها”.

ويشرح علي: “استجبنا لدعوة وئام والمجلس المجتمعي، وحضرنا اللقاءات المتكررة بين أبناء الحارتين، بحضور ممثلين للشرطة، وخلُصنا إلى أن يتكفل المجلس بالبحث عن تمويل؛ لإصلاح شبكة الصرف الصحي”.

من جهته، يقول المنتصر مكرد، وهو من وجاهات حارة المحطة: “تفاعلنا مع الدعوة؛ لحاجتنا الماسة للحل، وكان قيامهم بإصلاح شبكة الصرف الصحي، بدعم من مؤسسة شباب سبأ، ومؤسسة رنين اليمن، هو بداية الحل للمشكلة”، موضحًا أن عقد المجلس دورة تدريبية للوجاهات الاجتماعية في الحارتين، حول أساليب حل النزاع، كانت خطوة إضافية دفعتهم إلى توقيع وثيقة حل مُلزمة تُجنب أبناء الحارتين الدخول في نزاعات جديدة.

من جانبه، يرى عضو المجلس، عبده سعيد، أن وئام “قامت بمسؤوليتها بدقة أكدت على استحقاقها لثقة الأعضاء”، مشيرًا إلى أن أعضاء المجلس قرروا، في نوفمبر الماضي، إعادة انتخابها رئيسة للمجلس؛ “لأننا وجدنا فيها المرأةالمناسبة في المكان المناسب”.

دور المرأة

وترى وئام أن المرأة لها دورها الكبير، حالها حال الرجل، في كسرٍ الصورة النمطية التي رسختها العادات المجتمعية في اليمن، مؤكدة أنه، وفي شتى مجالات الحياة،أثبتت المرأة فعاليتها، وكفاءتها، ولم يعد دورها مقتصرًا على مجال التعليم، أو الصحة.

وتوضح: “المرأة، الآن، أصبحت شريكة في القرار، وتخوض في أغلب مجالات الحياة؛ فالمرأة صارت متطوعة، ومشاركة في الأعمال المجتمعية، ورائدة أعمال، ومساهمة في مشاريع تنموية، واقتحمت المجال السياسي، وكذلك المجال الإعلامي، وغيرهما”.

وفي الوقت الذي تمكنت فيه عديد نساء يمنيات من كسر القيود المجتمعية المفروضة على مشاركتهن في الحياة العامة، وحصدنَّ جوائز عالمية؛ مثل وميض شاكر التي اختيرت من بين أفضل مئة امرأة عربية مؤثرة في المجتمع للعام 2016 م، وبشرى المقطري الحاصلة، عام 2020 م، على جائزة بالم الألمانية لحرية التعبير وحرية الصحافة الألمانية، وهدى الصراري الحاصلة على جائزة مارتن إينالز الحقوقية عام 2020 م، وأخريات كثر، ترى وئام أن “نساء عديدات، في بلادنا، ما يزال دورهنَّ مؤطرًا بإطار بالعادات والتقاليد، وبأفكار حبيسة الماضي”، مشيرة إلى أن “عدم تمكين المرأة اقتصاديًا، أيضًا، يعيق تمكينها في المجالات الأخرى”.

خطوات مستمرة

لم تتوقف وئام وزميلاتها وزملائها عند انتهاء المشروع، إذ تقول: “في القادم، ننوي تطوير المجلس، ورفع قدرات أعضائه من خلال التدريب والتأهيل،بالإضافة إلى تطوير علاقات المجلس بمختلف الفاعلين، وخلق شراكات دائمة، والتشبيك، والتعاون المستمر”، موضحة أن ذلك بهدف “تقديم فهم أفضل لاحتياجات ومعاناة السكان، والتنسيق مع الجهات الحكومية والمنظمات؛ لجذب المزيد من التدخلات المساهمة في تحسين الأوضاع في مديرية صالة التي نالت النصيب الأكبر من أضرار الصراع”.

وعن طموحها الذاتي، تقول وئام: “أسعى لأن يكون هناك شبكة واسعة من النساء والفتيات الفاعلات القادرات على نقل معاناة واحتياجات الناس، ولديهنَّ القدرة على تخفيف حدة النزاعات في المديرية، وتعزيز فرص السلام والأمن”.

رسالة

في حديثها لـ”هودج”، وجهت وئام رسالة للنساء اليمنيات “يجب أن نثق بأنفسنا وإمكانياتنا، وبأننا قادرات على الإسهام والتغيير في المجتمع”.

مضيفة: “نحن جزء مهم من المجتمع، وتقع علينا مسؤولية تعزيز حضورنا ومشاركتنا في الشأن العام، وعلينا أن ننتزع حقنا في المشاركة دون انتظار منحنا إياه”.

مختتمة بالقول: “أتمنى أن تكون مشاركة النساء فاعلة، ومؤثرة، وتحدث أثرًا يعكس أهمية دورها، وهذا ليس شرطًا لإشراك النساء، بل لنتجنب التمثيل الشكلي لمشاركتهنّ”.